يتحدث الأب شربل عيسى أبو سعدة عن برنامج عمل كنيسة سيدة الرعاة في بيت ساحور بدولة فلسطين، في دعم المحتاجين من العائلات الفقيرة، خلال النشاط الذي تم تنفيذه عام 2020، ومضامين هذا العمل وأهدافه فيقول:
في الحقيقة، إن الكنيسة تعمل من منطلق مسيحي، فالسيد المسيح أعطانا وصية وهي المحبة، ويجب أن تكون المحبة للجميع، والسيد المسيح أوصل لنا رسالة بأن أي عمل خير نقوم به للفقير أو للمحتاج أو لأي شخص كان، هو بحد ذاته عمل خير لله، أي أننا نقوم بعمل الخير حقاً لأجل الله، وليس فقط من أجل الإنسان، وأنا كإنسان، وكلنا نعرف بأن الإنسان هو علائقي بحاجة أن يعيش في مجتمع وأن يكون له علاقات مع الآخر ومع الله ومع ذاته، فانطلاقاً من هذه العلاقة الكنيسة تتم هذه النشاطات وخصوصاً خلال جائحة كورونا.
في بيت ساحور البلدة الفلسطينية، كانت هناك مبادرة لتوزيع مواد غذائية على العائلات المستورة، وعلى العائلات الشابة الذين تزوجوا مجدداً وأغلقت البلد ولم يقدروا أن يؤمنوا أشيائهم الخاصة، وبالتأكيد أن هذه المبادرة التي قامت بها الكنيسة لأنها محل ثقة من خلال مركز الحراك الشبابي الساحوري وشباب المركز، فهم يضعون ثقتهم بهذه الرعية، فكل المساعدات التي تصل من الخارج لبيت ساحور تصل باسم كنيسة سيدة الرعاة للروم الكاثوليك، ليتم توزيع هذه المساعدات على الجميع بدون استثناء، ونحن نتحدث عن مجتمع مسيحي ومجتمع إسلامي أيضاً، ولا تفرقة بهذا الخصوص فبالنهاية جميعنا أبناء الله. كما تم تغطية لعمليات جراحية أجريت خلال فترة جائحة كورونا، وحتى الآن توجد أجهزة أوكسجين توزع على البيوت للأشخاص الذين بحاجة، إن كانوا من المصابين بكورونا أو إصابات بأمراض أخرى، فتوزع أجهزة أوكسجين عليهم، وتساعدهم الكنيسة والحراك الشبابي والمركب وأبناء المدينة ليتخطوا هذه الأزمة ولنتجاوز معاً هذه الأزمة.
ثم يضيف:
في بداية جائحة كورونا كان يوجد مبادرة هي الأولى من نوعها ربما في العالم، حيث أن الكنيسة أعطت أرض لشباب البلد، لأنه في فترة الكورونا أغلقت البلد ولم يعد هناك عمل، فكانت قطعة الأرض، حتى يقوم الشباب أولاً بتفريغ طاقتهم بها من خلال الزراعة، وبالوقت نفسه تكون الخضار والمواد الغذائية التي تنتجها الأرض لخدمة هذه المدينة بالتأكيد.
بعد ذلك ينتقل الأب شربل للحديث عن معنى التشاركية في تنفيذ مشروع تعاوني تعددي، تم مع الجمعية الإسلامية ومجموعة الحراك الشبابي في بيت ساحور، يقول:
تعني هذه المشاركة بأننا أبناء شعب واحد وأبناء وطن واحد، وبالتأكيد وجعنا واحد، ففي الكورونا لا يوجد أحد على رأسه ريشة، وكل الأشخاص تأذوا من هذه الجائحة، فكانت المساعدة من منطلق أننا واحد وننتمي إلى أسرة واحدة وهي أسرة بيت ساحور خاصة، وأسرة فلسطين عامة، وهذا التعاون الذي تم يعني بأننا جميعاً واحد، لا يوجد أي تفرقة بيننا فمن الممكن أن تكون مختلفاً عني بتوجهك العقائدي أو توجهك الفكري لكن لست مختلفاً عني بالجوهر، فنحن أبناء أرض واحدة، أبناء الله أبناء شعب واحد، وهذا هو الجوهر. ومن هذا المنطلق كنا نشتغل بهذا الأسلوب لأننا شعب واحد، وأبناء أرض واحدة.
ثم يتحدث الأب شربل عن الشركاء في تنفيذ المشروع، وما هو دور كل واحد منهم في مشروع التعاون الذي تم خلال جائحة كورونا، فيقول:
الحقيقة أن جميع المؤسسات الفاعلة في بلدة بيت ساحور تكاتفت، وقرروا أن يضعوا أيديهم بأيدي بعضهم البعض، وخصوصاً في وقت الجائحة. بيت ساحور معروفة بأنها مدينة التعايش الإسلامي المسيحي، وهي مثال للمجتمع الفلسطيني الواحد، ومن هذا المنطلق اجتمعت الكنائس جميعاً والبلدية والجمعية الإسلامية، فكان هذا التعاون القيم بينهم وبين بعض.
ثم يتطرق الأب شربل للصعوبات التي واجهتهم مع المنظمات المشاركة أثناء تنفيذ مشروع التعاون في بيت ساحور، فيقول:
حدثت اختلافات قليلة لكنها أمور جداً بسيطة وطفيفة، مثلاً: كل شخص كان يقدم قائمة بالأشخاص المحتاجين ومن يراهم بحاجة، لكننا نعرف أن العدد أحياناً يكون هائلاً، والمواد المتوفرة بين أيدينا قليلة أو محدودة فلا نستطيع التوزيع لجميع القوائم الموجودة، فكان يتم مثلاً: أخذ عشرين من هنا وعشرين من هناك، وفيما بعد المساعدة القادمة في مرة أخرى تتم التكملة على هذه القائمة التي أعدتها كل مؤسسة، وربما هذه أكبر صعوبة حصلت خلال هذه الفترة، حيث كنا لا نستطيع تأمين المساعدة من المرة الأول لجميع الأشخاص، وسيكون تقديم المساعدة على مراحل. وبنظري هذه أكبر صعوبة حصلت وبالتأكيد كل عمل يحصل فيه صعوبات لكن كانت مفاجأة كبيرة أنه تم تخطي كل شيء لأجل خير المدينة ولأجل خير أبناء الشعب الواحد.
ثم يضيف الأب شربل عن الصعوبات الخارجية التي واجهتهم أثناء تنفيذ تلك الأنشطة، فيقول:
كانت الصعوبات الخارجية تتمثل في كيفية تأمين المساعدات. وفي بعض الأحيان واجهنا مشاكل في كيفية التحويل المالي للمساعدات، فبعض الدول تضع حظراً على تحويل الأموال لفلسطين ودول أخرى، فهذه المشكلة واجهتنا من الخارج فكنا لا نستطيع تأمين وصول المساعدات كما يجب، أو أنه حتى لو تم تأمينها بتحويل المبلغ المالي عبر البنك أو الصراف أيضاً هنا عندما نستلم النقود يخصم مبلغ كبير من المبلغ الواصل لمدينة بيت ساحور، هذه هي من ضمن المشاكل الخارجية التي واجهناها بكيفية تأمين النقود وكيفية استلامهم في فلسطين.
وعن الإيجابيات والسلبيات في التعاون المتعدد بين جهات متنوعة الانتماء فيقول الأب شربل:
كانت الإيجابيات كثيرة ولا يمكن ذكرها جميعاً، لكنني سأنوه عن بعضها لأنها بنظري كانت قمة الإيجابية بهذا العمل المشترك:
أولاً: التكاتف الحاصل من خلال المؤسسات والعمل المؤسساتي والاجتماعي، في فترة جائحة الكورونا، خلق حالة تكاتف اجتماعية، فخارج عن عملي كمؤسسة أصبحت أرى أشخاصاً لم يكونوا مع بعض أصبحوا يشتغلون معاً بشغف، وهذا ما صنع علاقات اجتماعية وصداقات، إضافة إلى أننا نعمل مع بعض من أجل خير المدينة. أيضاً أصبح لنا صداقات خارج المؤسسة، فبعد انتهاء عملي أصبح لدي صديق جديد، وهذا من ضمن الإيجابيات.
ثانيا: الثقة الحاصلة بين المؤسسات والشعب، سواء كانت مؤسسة كنسية أو إسلامية أو مؤسسة بلدية أو من مؤسسات المدينة، أصبح هناك ثقة، فحين يتعرض الشعب لصعوبة صار يتوجه للمؤسسة، ولا يحاول أن يحارب الصعوبة وحده، لا بالعكس صار يتوجه للمؤسسة لأنه صار يعرف أن عنده سند، صار عنده شخص يسنده قبل أن يسقط، عنده شخص يعينه من سقطته.
أما السلبيات، ففي الحقيقة لقد ذكرت السلبية الوحيدة ضمن العمل وهي أننا لا نقدر على تأمين المساعدات لجميع الأشخاص دفعة واحدة، أما سلبيات بمعنى مشاكل فبالعكس كان بيننا تفاهم جداً رائع وعمل واحد، فكنت ترى جسماً واحداً يتحرك ولا ترى أكثر من جسم يتحرك.
ويتناول الأب شربل التأثير الفكري واستيعاب المعلومات والمهارات التي تمت خلال المشروع، فيقول:
إن ما شاهدته وكان حقاً مؤثراً هو أننا شعب وجعنا واحد، وأننا شعب نسعى لهدف واحد الذي هو أن نعيش معيشة تليق بنا، معيشة صالحة ونستطيع من خلالها فعلاً أن نجد الله. هذا هو التأثير الكبير الذي أثر بشخصيتي أنا شخصياً من منطلق طابع شخصي لهذا المجتمع، وأن عمل الخير ليس به تفرقة، وعمل الخير ليس له حدود، وأن عمل الخير لا يتم ضمن بقع اجتماعية صغيرة، بل يتم ضمن بقع اجتماعية عامة تسود على كل المدينة وليس فقط على أماكن محددة، وهذه فعلاً فكرة رائعة جداً بالنسبة لي.
كنا قبل هذه الجائحة تصلنا مساعدات ونحاول أن نساعد مجتمعنا، مثلاً بشكل خاص رعيتنا أو أبناء الكنيسة المحتاجين وإذا زاد نساعد الآخر، بينما في جائحة الكورونا ما كان يتم الأمر هكذا بالعكس أصبح التوجه أكثر بشكل عام؟ من هو بحاجة من البلد؟ من بحاجة من المدينة؟ نتوجه له، وهذا بالطبع شيء جميل التفكير بالآخر وحب الآخر. وأكيد أعود لأتكلم بمنطق مسيحي: هذا هو ما أراده السيد المسيح منا نحن كمسيحيين وكأبناء شعب واحد، أن نفكر فعلاً بالآخر وليس فقط بذواتنا، بل نفكر بالآخر، لأنه في الكتاب المقدس السيد المسيح قال: "السعادة في العطاء وهي أكثر غبطة من الأخذ".
وأخيراً يتطرق الأب شربل لمدى تغيير آلية النشاط الخيري في هذه الكنيسة بعد تجربة التعاون مع الآخر المختلف دينياً، فيقول:
بالتأكيد كل خبرة تعلمك وكل خبرة تعطيك بعض الدروس، الحياة كلها فيها دروس، والتعلم مستمر، بالتأكيد خلال هذا العمل الذي قمنا به ككنيسة مع المؤسسات التي ذكرناها سابقا، التغيير الذي من الممكن أن يحدث أو الذي تفكر أنه يحدث من خلال الاجتماعات المتتالية، أنني فعلاً خلال بعض الندوات التي كنت أنا أنظمها ككنيسة خاصة كان يتم تنظيمها على مستوى مدينة كاملة، أو أن المساعدة التي كانت ضمن مستوى كنيسة خاصة كان يتم توزيعها على مستوى المدينة كاملة وليس فقط على مستوى خاص، نعم فنحن شاهدنا مؤسسات كثيرة تعمل من أجل خير المدينة لكن ضمن نطاقها الخاص، الجمعية الخيرية الإسلامية تعمل لأجل المجتمع الإسلامي والكنائس المسيحية تعمل لأجل المجتمع المسيحي، لكن بهذه الفترة تم التغيير بحيث أنه سيكون على طوال السنة تعاون مشترك بين هذه المؤسسات، مما يعني أنه عندما تصلني أنا مساعدة ككنيسة أتصل بالهاتف مع الجمعية الإسلامية، هل يوجد أشخاص أنتم تعرفونهم بحاجة من المجتمع الإسلامي؟ وبالتالي يتم التوزيع عليهم. بينما فيما سبق كنت أوزع ضمن نطاقي الخاص ولا أتوجه إلى الآخر، بينما اليوم أصبح العمل يعني أن أخرج مباشرة إلى الآخر، لأن الأخر قد يكون بحاجة أكثر من مجتمعي الخاص.