أنا اسمي شيفان، شاب سوري مقيم في مدينة أوترخت في هولندا، درست اللغة الإنكليزية بجامعة دمشق. عندما كنت في سوريا كان لدي أحلام، أصدقاء، بيت، وعندما بدأت الثورة السورية، كان الموضوع أشبه بالحلم، وكنت جزءاً من المظاهرات السلمية آنذاك، وبسبب ذلك قامت أجهزة الأمن السورية باعتقالي عام 2011. وبعد خروجي من السجن في عام 2012، هربت إلى لبنان، وهناك سجلت في المفوضية العليا لحقوق اللاجئين، وبعد ذلك بسنة حصلت على حق التوطين وتم دعوتي للمجيء إلى هولندا في العام 2013. جئت إلى هولندا، فكانت بلد جديد، وحياة جديدة، ولغة جديدة، ومجتمع مختلف. جئت أحمل أوجاعي وذكريات السجن البشعة. لم يكن الأمر سهلاً كي أجد طريقي في هذا البلد، ولكني حاولت أن أتعلم اللغة وأكوّن علاقات صداقة والتعرف على العالم.
تعلمت كيف أقود الدراجة الهوائية، وأصبحت أطبخ وأدعو الناس إلى بيتي. الطبخ والأكل هي طريقة حتى تتعلم كيف تخبر العالم عنك أكثر، عن بلدك، وأيضاً تتعلم شيئاً عن الآخرين، عن الإنسان المختلف عنك، الأمر ليس مجرد تناول طعام، إننا نأكل وفي الوقت عينه نتكلم في قصة ما. أيضاً، أنا صرت أركض، وشاركت عدة مرات في الماراثون بهولندا، لأن الركض هي طريقة ساعدتني أن أتصالح مع نفسي، كما ساعدتني في تخفيف حالة الاكتئاب التي كانت تطاردني من وقت لآخر، بسبب الذكريات البشعة التي عشتها في السجن بسوريا.
أنا شخص مثلي الجنس، وهذا الموضوع ما كان سهلاً في بلد مثل سورية، حسب ما هو متعارف عليه، وأنا اليوم أريد أن أشارككم قصة حدثت معي في هولندا. بعد فترة من إقامتي بدأت أعمل في عدة منظمات وجمعيات ناشطة في حقوق الإنسان، منها منظمة "العدل الدولية" وعدة منظمات أخرى، وفي إحدى المرات بينما كنت أعمل مع جمعية، وكان مطلوب مني خلال هذا المشروع أن أذهب إلى عدد من المدارس في هولندا وأشارك جزء صغير من قصتي، أتحدث فيها عن حقوق الإنسان وحقوق المثليين. وفي إحدى المرات كان مطلوب مني أن أذهب إلى مدرسة تقع في جنوب هولندا قريب من مدينة ماستريخت، ومن المتعارف عليه أن تلك المنطقة تابعة لليمين المتطرف، وأثناء وجودي في تلك المدرسة، وأنا أحكي قصتي، وفي منتصف الكلام، يفاجئني أحد الأولاد الذي كان يبلغ تقريباً 13 عاماً، حيث وقف وقال لي: "أنا لا أريد أن أسمعك، لا أريد أن أتحدث معك. لماذا؟ لأنك أنت لاجئ، جئت إلى بلدنا، حتى تسرق نقودنا وتأخذ نساؤنا". عندها ضحكت كثيراً، وأجبته: لا، أنا جئت إلى بلدك حتى أسرق رجالكم وليس نساؤكم. نساؤك تستطيع أن تحتفظ بهن لديك. أنا مثلي لا أريد نساؤك! في وقتها ضحك الأولاد في الصف، وأكملت القصة التي يفترض إخبارهم بها، وعندما انتهيت من الحديث، جاء إليّ ذات الولد وقال لي: أنا أحترمك.
بعد ذلك بفترة، أرسلت لي والدة هذا الولد بريداً إلكترونياً، وقالت لي: ابني تحدث كثيراً عنك في ذاك اليوم، وأنا لدي فضول أن ألتقي بك، هل يمكن أن نلتقي معاً؟ هل أستطيع زيارتك؟ وأجبتها طبعاً يمكنك زيارتي، يمكننا تناول العشاء معاً تستطيعين أن تأتي بزوجك وابنك، أهلا وسهلا.
جاؤوا إلى الموعد، وتفاجأت أنها أحضرت أيضاً معها أخاها، لأنهم كانوا -مسبقاً- خائفين مني، لديهم صورة نمطية عن اللاجئين وعن السوريين، وهذه الصورة مغلوطة كثيراً وليست واضحة. عندما جاؤوا تفاجأوا… تفاجأوا بي كشاب سوري. لقد قلت لهم في حينها أن اللجوء ليس خياراً، لا أحد منا يختار أن يترك بيته وأهله ويذهب إلى بلد آخر. أذكر أننا قضينا وقتاً جميلاً وتحدثنا في أمور عديدة، وتعرفت عليهم وتعرفواً عليّ وأصبحنا أصدقاء من ذلك الوقت، وأذكر أنها قالت لي: نحن لم نكن في يوم من الأيام نتخيل أن نكون أصدقاء مع لاجئ!
هذه هي قصتي، أتمنى أن أكون قد أوصلتها لكم بشكل واضح، شكراً لكم. . . . شيفان.