رحاب جمال الدين المغربي

احد مقابلات حزمة: التعايش السلمي في المهجر,
Original Interview Length:
سجلت هذه المقابلة في: لندن, المملكة المتحدة
فريق الانتاج:
المواد المتوفرة لهذه المقابلة:

وصلت السيدة رحاب جمال الدين المغربي (63 عاماً) إلى بريطانيا، مدينة لندن، عام 1975، بعد أن تزوجت حديثاً، كي تبني عائلتها مع زوجها، إذ أنجبت ثلاث بناتٍ، وحين وصلت كانت قد انشغلت على الفور بالتربية والتدبير المنزلي والحياتي لبناتها إلى جانب عملها المدني مع زوجها آنذاك. وكانت تقوم بمساعدة زوجها إدارياً في عمله بدعم منح ومساعدة الشباب العرب غير القادرين على إكمال تعليمهم، إلى جانب عملهما في إقامة أنشطة اجتماعية وثقافية ضمن منظمة غير ربحية في بريطانيا. 

واجهت رحاب مشكلة اللغة للتواصل مع المجتمع، وكانت بداية تخجل من ارتكاب أخطاء، لكنها فيما بعد تجاوزت المشكلة وأتقنت اللغة، تقول: "اتبعت دورات تقوية للغة الإنكليزية عن طريق مؤسسات بريطانية، وكذلك دورات للأمهات وللعاطلين عن العمل، تعلمت أشياء كثيرة مثل مهارات الحاسوب والخياطة، أشياء ساعدتني لاحقاً للاحتكاك بالمجتمع الإنكليزي"، لكن رغم ذلك تأسف رحاب بعد سنوات طويلة من تجربتها الحياتية في بريطانية لأنها "لم تختلط بالإنكليز ولم تدخل عالمهم وتتعرف عليهم كثيراً" حسب ما تشير، ويعود السبب برأيها إلى طبيعة عمل زوجها آنذاك مع العرب.

وتروي رحاب عن فترة زمنية كانت تسود بريطانيا بين العامين 1975 و1985 حيث لم يكن لدى الإنكليز استعداد لتكوين صدقات مع الآخرين "الأجانب" على حد وصفها. ولكن في اجتماعات أولياء الأمور، ضمن مدارس بناتها، سمحت الفرصة بالتواصل المحدود مع الإنكليز دون انخراط فعلي، وتظن رحاب أن سبب تأخر الاندماج: "أن البيئة الاجتماعية التي جاءت بها من سورية مختلفة"، وأنها احتاجت وقتاً للتأقلم.

أعجبت رحاب بالنظام الاجتماعي العام لبريطانيا، واكتسبت عادات السلوك اليومية، التي يعيشها الناس هناك، تقول: "تأقلمت جداً مع البلد وأعجبت بنظامه بكل ما يعنيه، أعجبت بالنظافة والآداب العامة، هذا الشيء كان يريحني جداً وقد أحسست أنني يجب أن أكون هكذا. التربية في الشام وفي عائلتنا كانت موجودة هذه الأساسيات، لكن ليس جميعها. في بلادنا يمكنك أن ترمي النفايات في الشارع ولن يهمك هذا، بعد أول ستة أشهر لي هنا ذهبت إلى الشام وتفاجأت بنفسي عندما لم أستطع تقبل فكرة أن أرمي شيئاً على الأرض"، لأن الاندماج برأيها لا يقتصر على الصدقات إنما أيضا أن يكون بمقدرة الفرد التأقلم والشعور بالراحة في البلد وكل مدينة و لها نمط حياة مختلف حتى في نفس البلد. 

كما شعرت رحاب أنها بريطانية قبل حصولها على الجنسية، تقول "شعرت بأنني واحدة منهم منذ زمان، كانت النقطة الوحيدة التي تزعجني بصراحة هي اللغة، هذه عقدتي نوعا ما لأنني لم أشعر أبداً بأني أقل منهم كبريطانيين ولم أشعر بأني مختلفة عنهم أبداً، الأمر الوحيد الذي يفرق بيني وبينهم هو أنني عندما أتحدث الإنكليزية، أمّا الآن أتكلمها بلكنة خاصة"، وتؤكد رحاب هنا أن لأطفالها دوراً كبيراً من أجل تعايشها مع هذا البلد والبقاء فيه: "لأنه أصبح موطن أطفالي ولأنه كذلك، يجب أن أكون جزءاً منه" حسب تعبيرها. 

عملت رحاب إلى جانب زوجها، على ترسيخ الهوية العربية في بيتها، فكان لديها قلق بشأن ذلك، وكانت كل صيفية ترسل بناتها ثلاثة أشهر إلى سورية من أجل تعلم اللغة العربية والتماس مع المجتمع هناك، حفاظاً على العادات والتقاليد، تقول: "كان هدفنا أن نعلّمهنّ عن أصولهن، وكنت أقول لبناتي لا تظنوا بأنكن إنكليزيات أو سوف تُصبِحنَ إنكليزيات، سوف تكنّ بريطانيات ولكن ليس انكليز، طالما تحملون اسم عائلتكن "المغربي"، فكونوا فخورات بخلفيتكم وتبنوا هذه البلد التي تعيشون بها حتى لا تضيع هويتكن، الهوية مهمة جداً، هناك أشخاص كثر يتمثلون بأنهم إنكليز ويتناسون لغتهم وعاداتهم ولكن الإنكليز يرفضونهم وهذا ما قد يسبب ضياع لهؤلاء". 

لم يشكل الدين عقبة في وجه حياة رحاب وأسرتها في المهجر، لأنها تعتبر أنها ليست متعصبة، تقول: "ليس لدي مشكلة مع الأديان الأخرى أو مع الأشخاص غير المؤمنين من الأساس، ديانتنا هي الإسلام. هناك بعض الأشخاص يصرون على أطفالهم بتعاليم الدين ولكن هذا الأمر لم يكن موجود بعائلتنا، نحن مسلمون علمانيون نوعا ما".

 وتؤكد رحاب أن الذهاب إلى الجامع في لندن مثلاً كان من أجل "المناسبات والأعياد، حيث كنا نصطحب أطفالنا في العيد ونعرفهم بصلاة العيد والعادات التي تقام بعد الصلاة، مثل اجتماع الناس ببعضها وتقديم الحلويات والتهاني وما إلى هنالك. هذه الطقوس كانت تعجبني لأنها طقوس اجتماعية وهذا ما يهمني شخصياً من الدين". 

وتشير رحاب أنها طوال سنوات حياتها في بريطانيا، لم تواجه أي مواقف عنصرية، وتعتبر أنه أهم شيء بالنسبة للأجنبي القادم أن يحترم قانون البلد، وتؤكد: أنا فعلت ذلك وعرفت طريقتهم بالحياة، هكذا، سوف يرتاحون مع وجودك، وبالمقابل سوف ترتاح بدورك أنت الآخر مع أهل البلد. وماذا تود أن تفعل في بيتك أنت حر! ولا أحد لديه اعتراض عليك، أمّا خارج البيت يجب أن تتبع قانون البلد وأنا أرى هذا الأمر بمنتهى الحضارة" على حد تعبيرها.